- أحاديث رمضان / ٠09رمضان 1423هـ - أحاديث قدسية وأدعية
- /
- 2- رمضان 1423 - أدعية مأثورة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
ما يعانيه المسلمون اليوم هو ثمن باهظ لتقصير طويل الأمد :
أيها الأخوة الكرام: عند الكفرة القوة تعني الحق، فأنت قوي إذاً أنت على حق، هذا منطق إبليس، هذا منطق الكافر، هذا منطق المجرم، بينما عند المسلمين الحق ما جاء به الوحيان الكتاب والسنة، لكن الحق من دون قوة ضعيف، من دون قوة محاصر، من دون قوة لا ينتشر، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام هو نبي المرحمة وفي الوقت نفسه هو نبي الملحمة.
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ*وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾
عدد كبير من الناس لا يحترمك إلا إذا كنت قوياً، فإذا كنت قوياً أذعن لك، واحترم دينك، واحترم اتجاهك، فحينما قصر المسلمون في الإعداد لعدوهم وقوي عدوهم في غفلة عن الزمن فرض عدوهم عليهم إرادته، وإباحيته، وثقافته، وعولمته، وما يعانيه المسلمون اليوم هو ثمن باهظ لتقصير طويل الأمد، النبي عليه الصلاة والسلام من شدة رحمته على الخلق كافة خاطبه الله عز وجل وقال:
﴿ طه*مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى* ﴾
كلما ارتقى مقام الإنسان اتسعت دائرة اهتمامه :
كلما ارتقى مقامك اتسعت دائرة اهتمامك، فأضعف الناس يهتم بنفسه، أفضلهم قليلاً يهتم بأسرته، كلما علا مقامك عند الله تتسع دائرة اهتمامك، نحن لا نبكي على الكفار لكن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ))
من شدة رحمته على الطرف الآخر فلذلك:
﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾
﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾
فكأن الله سبحانه وتعالى يواسي نبيه من شدة رحمته، ولا تعني رحمته أنه ضعيف، ولا تعني رحمته أنه يتراجع في ميدان المعركة، هو نبي المرحمة ونبي الملحمة.
أحمق الناس من يقف في خندق مضاد للدين :
الله عز وجل يصف الطرف الآخر قال:
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ *﴾
تصور إنساناً يتجه نحو الشمس وينفخ عليها كي تنطفئ، كم هو غبي، كم هو محدود، كم هو أحمق، فكيف إذا أراد أن يطفئ نور الله هذا الدين دين الله، وله خصيصة عجيبة، أنه كلما قاومته يزداد قوة، لذلك أحقر الناس وأحمقهم من يقف في خندق مضاد للدين، الخندق الثاني وليه الله، واعلم دائماً من هو الطرف الآخر، إذا كنت تقاوم الدين فالله سبحانه وتعالى خصمك، وإذا قصم الله عبداً أنهاه.
الدعاء إن لم يرافقه أخذ بالأسباب يعد مأخذاً على الإنسان :
أيها الأخوة: من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام فيما يتعلق بالملحمة يقول:
(( اللَّهُمَّ إني أنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ اللَّهُمَّ إنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ اليَوْمِ))
في بدر دعا دعاءً في لهفة عجيبة جداً، حتى إن الصديق أشفق عليه، يا ترى هل ثقة الصديق بالنصر أعلى من ثقة رسول الله؟ لا، كيف نفسر أن الصديق يقول: يا رسول الله حسبك بعض مناشدتك ربك، أيعقل أن يكون الصديق أشد ثقة بالنصر من رسول الله ؟ الجواب لا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمن أن الأدب مع الله أن تأخذ بالأسباب، فلعل هناك تقصيراً بالأخذ بالأسباب، وقد ثبت أن الدعاء إن لم يرافقه أخذ بالأسباب يعد مأخذاً على الإنسان، أوضح مثل سيدنا عمر رأى رجلاً معه ناقة جرباء، قال له: ماذا تفعل؟ قال: أدعو الله أن يشفيها، قال له: هلا جعلت مع الدعاء قطراناً؟ حينما تدعو الله ولا تأخذ بالأسباب أنت عند الله آثم، أنت مستخف بالدعاء، توقفت مركبتك ما فعلت إلا أن قلت: يا رب يسر لي أمري، إذاً افتح غطاء المحرك، انظر أين الخلل؟ ابحث عن الخلل وادعُ الله عز وجل، أما أن نكتفي بالدعاء فهذا حال المسلمين اليوم، نكتفي بالدعاء: اللهم دمرهم لم يدمروا، اللهم اجعل بأسهم بينهم، يتعاونون وبأسنا بيننا، اللهم زلزل أقدامهم، اللهم شتت شملهم، الشيء العجيب كأن الله لا يستجيب لنا! لأننا لا نقرن الدعاء بالعمل، لأننا كسالى نبحث عن حظوظنا، عن أهوائنا، عن شهواتنا، قاعدون ولا نملك إلا الدعاء، من قال: إن الله يستجيب لأناس قاعدون - اقعدوا مع الخوالف - أما أصحاب النبي فاستجابوا، امض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، سالم من شئت، وعادِ من شئت، وصل من شئت، واقطع من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، فو الذي بعثك بالحق للذي تأخذه من أموالنا أحب إلينا مما تركته لنا، أما اليهود فماذا قالوا:
﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾
أما الصحابة الكرام فنحن معك يا رسول الله، لو خضت هذا البحر لخضناه معك، ما تخلف منا واحد، إنا لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، فلعل الله يريك منا ما تقر به عينك.
الله تعالى آتى المسلمين من كل شيء سبباً لكنهم لا يتبعون سبباً :
إذاً الدعاء - وهذا كلام دقيق جداً - حينما تكتفي بالدعاء لا يستجيب الله لك، لابد من أن تقرن الدعاء بالأخذ بالأسباب:
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً * فَأَتْبَعَ سَبَباً ﴾
والله عز وجل آتى المسلمين من كل شيء سبباً لكنهم لا يتبعون سبباً.
((إِنَّ اللَّهَ تَعالى يَلُومُ على العَجْزِ وَلَكِنْ عَلَيْكَ بالكَيْسِ فإذَا غَلَبَكَ أمْرٌ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ ))
أرقى دعاء هو الدعاء الذي تجمع فيه بين تمجيد الله والتذلل له :
من أدعية النبي قبيل المعركة، هل تصدقون أن هناك ساعات للإجابة؛ ساعة يوم الجمعة، وساعة قبل السحر، وعند الإفطار، العلماء جمعوا ساعات الإجابة، من ساعات الإجابة حينما يلتقي الجمعان هذه ساعة من ساعات الإجابة، وقد علّمنا النبي ذلك عليه الصلاة والسلام، لذلك كان يدعو قبيل الالتحام:
((اللَّهُمَّ أنْجِزْ لي ما وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ ما وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ العِصابَةُ مِنْ أهْلِ الإِسْلامِ لا تُعْبَدْ فِي الأرْضِ ))
أصحاب النبي كانوا ضعافاً، وكانوا فقراء، فأغناهم الله، كانوا أعداء فألف الله بين قلوبهم، يقول عليه الصلاة والسلام:
((اللّهُمّ إنّهُمْ حُفَاةٌ فاحْمِلْهُمْ، اللّهُمّ إنّهُمْ عُرَاةٌ فَاكْسُهُمْ، اللّهُمّ إنّهُمْ جِيَاعٌ فَأَشْبِعْهُمْ ))
لا يوجد أرقى في الدعاء من أن تجمع بين تمجيد الله والتذلل لله عز وجل، تمجده وتعلن عن ضعفك وانكسارك، فأنت أقوى الناس.
ومالي سوى فقري إليك وسيلة بافتقاري إليك فقري أدفع
ومالي سوى قرعي ببابك حيلة فإذا رددت فأي باب أقرع
***
الأدب مع الله عز وجل :
من أدب النبي عليه الصلاة والسلام في موضوع الملحمة يقول عليه الصلاة والسلام
((يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا اللَّه العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف))
الإنسان أحياناً من رعونته ومن جهله يقول: ليأتوا إلينا سوف نؤدبهم، سوف نحاربهم، قد لا تصمد، قد لا تستطيع، ابدأ أن تسأل الله العافية، أما إذا أراد الله أن يمتحنك فاصبر، أما في الأصل: لكن عافيتك أوسع لي. هذا الأدب مع الله عز وجل.
((يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا اللَّه العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ثم قال: " اللّهُمّ مُنْزِلَ الكِتَابِ ومُجْرِيَ السّحَابِ وَهَازِمَ الأحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ ))
بعد أن أعدّ لهم العدة، وهناك رواية:
(( اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكتابِ، سَرِيعَ الحِسابِ، اهْزِمِ الأحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ ))
دقق أيها الأخ النبي عليه الصلاة والسلام كل قوته يستمدها من الله.
((اللَّهُمَّ إنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ ))
(( اللَّهُمَّ أنْتَ عَضُدِي وَنَصيرِي بِكَ أحُولُ وَبِكَ أصُولُ وَبِكَ أُقاتِلُ))
الافتقار إلى الله هو سر قوة المسلمين، والاعتداد بالنفس هو سر انهزامهم، مرة إنسان قال: استغنينا عن رحمة السماء، فأصاب المسلمين سنوات عجاف، تزيد عن سبع سنين، الله عز وجل يؤدب أناس كثيرين، الآن الذي عقر الناقة واحد أم مجموع؟ واحد عقرها، قال الله:
﴿ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ﴾
بالجمع، معنى ذلك أن الذي أقره على عمله، والذي أمن على كلامه، هو شريكه بالإثم.
الولاء و البراء :
أيها الأخوة:
((اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونتوب إليك ونؤمن بك ونتوكل عليك))
ونؤمن بك، ونخلع من يفجرك، هذا الولاء والبراء، حينما تميل إلى الكفار، حينما تحبهم، حينما تواليهم، فأنت على خطر عظيم.
﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾
((اللّهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق، اللَّهُمَّ عَذّبِ الكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، ويُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيُقاتِلُونَ أوْلِيَاءَكَ))
والحقيقة أيها الأخوة هناك معركة أزلية أبدية بين الحق والباطل، معركة الحق والباطل قدر الإنسان في الحياة، أنت مع من؟ إما أن تكون مع الحق وإما أن تكون مع الباطل، وليس هناك موقف ثالث، الدليل دققوا في هذه الآية:
﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾
إن لك تكن مستجيباً لله فأنت مستجيب لهوى نفسك، إن لم تكن على الحق فأنت على الباطل، إن لم تكن على طريق الله عز وجل فأنت على طريق الشيطان، لا يوجد حالة ثالثة.
من وفِق بإصلاح ذات بين المسلمين هو عند الله مكرم :
من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام:
((اللَّهُمَّ اغْفِرْ للْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ والمُسْلِمينَ والمُسْلِماتِ وأصْلِح ذَاتَ بَيْنِهِمْ))
أصلح العلاقة بينهم، وكل إنسان وفقه الله بإصلاح ذات بين المسلمين هو عند الله مكرم، وكل إنسان يفرق المسلمين، يشق صفوفهم، يعمق الهوة بينهم، هو شيطاني، لذلك ورد: "ليس منا من فرق ".
((واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة، وثبتهم على ملة رسولك، وأوزعهم -أي ألهمهم- أن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه، وانصرهم على عدوك وعدوهم ))
دقق في عدوك وعدوهم، لا يمكن أن تقاتل إنساناً هو عدو لله وعدو لك، أما حينما تقاتل إنساناً ليس عدواً لله فهناك جريمة، هذا الذي:
﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا ﴾
مبدأ أساسي، لا يقاتل إلا من كان عدواً لله وكان عدوك، إذا كان عدوك ولم يكن عدواً لله فهذه جريمة، وإذا كان عدواً لله ولم يكن عدوك ممكن أن تقاتله لنشر الدين إذا حال بينك وبين أن تنشر هذا الدين، الحواجز المنيعة التي يقيمها الطواغيت يقاتلون من أجل أن يزيلوها أما:
(( لا إكراه في الدين))
النبي عليه الصلاة و السلام كان موحداً وهو في أصعب الحالات :
أيها الأخوة: بعض المسلمين إن رأوا ما يتوهمون أن الله تخلى عنا ينكمشون، ييئسون، قد يلومون الله عز وجل لمَ لا يستجيب لهم؟ دققوا في هذا الدعاء، هذا الدعاء متى قاله النبي؟ عقب معركة أحد، أي عقب الهزيمة، قال:
((استووا حتى أثني على ربي))
ما هذا الحب، تخلى الله عن المؤمنين ولم ينتصروا، ومات سبعين من كبار الصحابة قال:
((استووا حتى أثني على ربي فصاروا خلفه صفوفا فقال: اللهم لك الحمد كله الله لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لما أضللت، ولا مضل لما هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما بعدت، ولا مباعد لما قربت))
كان موحداً وهو في أصعب الحالات، من السهل على الإنسان أن يكون موحداً وهو مرتاح، صحته جيدة، ماله وفير، علاقاته ناجحة، أما أن تكون موحداً وأنت في ضائقة، وأنت في بأس شديد، كان عليه الصلاة والسلام وهو في أشد حالاته كان موحداً:
((اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك، اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إني أسألك النعيم يوم العيلة والأمن يوم الخوف، اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعتنا ))
انظر إلى هذا الملمح الرائع قد يعطيك فيمنعك، وقد يمنعك فيعطيك، قد يعطيك الصحة والقوة فتعصي الله بهما، وقد يباعد بينك وبين الصحة والقوة فيكون الضعف والمرض سبباً لمعرفتك بالله عز وجل، قد يعطي فيمنع، وقد يمنع فيعطي، هذا لله وحده، هذا من شأن الله وحده، ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك.
((اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعتنا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك واجعل عليهم رجزك وعذابك، اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب يا إله الحق))
تواضع النبي الكريم حينما انتصر :
أيها الأخوة:
﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً ﴾
هذا ملخص الأدعية كلها، إذا كنت تريد الآخرة ولا تريد علواً في الأرض فأنت المنتصر، أما إذا أردت العلو في الأرض، أما إذا أردت أماكن الثروات، أما إذا أردت من حربك مع الآخرين أن تستعلي عليهم، فأنت على طريق الشيطان، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام حينما فتح مكة فتحها مطأطئ الرأس، كادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره من شدة تواضعه لله، وما عرف التاريخ فاتحاً إلا كان متغطرساً مستعلياً جباراً في الأرض، بينما النبي عليه الصلاة والسلام حينما انتصر كان في أعلى درجات التواضع لله عز وجل.
شمائل النبي عليه الصلاة و السلام :
أيها الأخوة: من الملامح اللطيفة من شمائل النبي تقول عائشة رضي الله عنها:
((ما ضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيده خادماً قط ))
والله أعرف آباء مؤمنين ما ضربوا أبناءهم قط، بحسن التوجيه، والقدوة، والرحمة، عاملوا أولادهم أرقى معاملة، فكان انتماء أولادهم لهم عجيباً.
((ما ضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيده خادماً قط، ولا ضرب امرأة، ولا ضرب بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل اللّه، ولا خُيّر بين شيئين ))
أخلاق القتال و أخلاق الدعوة :
دققوا في هذه الفكرة أيها الأخوة هناك أخلاق للدعوة وهناك أخلاق للقتال، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾
هذه أخلاق القتال، أما أخلاق الدعوة:
﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾
فبعض الدعاة وقعوا في خطأ كبير حينما خلطوا بين أخلاق الدعوة وأخلاق الجهاد، أخلاق الجهاد هي القسوة والشدة، أما أخلاق الدعوة فهو اللين، النبي عليه الصلاة والسلام سيد الخلق وحبيب الحق، سيد ولد آدم، يوحى إليه، معه المعجزات، بهي الصورة، ناصع البيان، أوتي من مكارم الأخلاق، ومع ذلك مع كل هذه الخصائص قال له أنت بالذات:
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
فكيف إنسان ليس معه وحي، ولا كتاب، ولا معجزات، ولا مؤيد بنصر الله، ولا فصيح، ولا جميل، وغليظ، لمَ الغلظة يا أخي؟ لقد أرسل الله من هو خير منك إلى من هو شر مني، أرسل موسى إلى فرعون فقال: فقولا له قولا ليناً.
إذاً:
((ولا خير بين شيئين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما حتى يكون إثماً فإذا كان إثماً كان أبعد الناس من الإثم ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه إلا أن تنتهك حرمات اللّه فيكون هو ينتقم للّه عزَّ وجلَّ ))
ويقول:
((بعثت لأتمم مكارم الأخلاق))
أوصاف النبي عليه الصلاة و السلام :
من أوصافه:
(( ليسَ بِفَظٍّ وَلا غَلِيظٍ, وَلا صَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ, لَوْ يَمُرُّ إِلَى جَنْبِ السِّرَاجِ لَمْ يُطْفِئْهُ مِنْ سَكِينَتِهِ - ظله خفيف - وَلَوْ يَمْشِي عَلَى الْقَصَبِ الْيَابِسِ لَمْ يَسْمَعْ مَنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ ، لا يَقُولُ الْخَنَا - المزاح الجنسي الرخيص - أَفْتَحُ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا, وَآذَانًا صُمًّا, وَقُلُوبًا غُلْفًا))
الله عز وجل يقول في الحديث القدسي:
((أُسَدِّدُهُ لِكُلِّ أَمْرٍ جَمِيلٍ, وَأَهَبُ لَهُ كُلَّ خُلُقٍ كَرِيمٍ, وَأَجْعَلُ السَّكِينَةَ لِبَاسَهُ, وَالْبِرَّ شِعَارَهُ, وَالتَّقْوَى ضُمَيرَهُ, وَالْحِكْمَةَ مَنْطِقَهُ, وَالصِّدْقَ وَالْوَفَاءَ طَبِيعَتَهُ, وَالْعَفْوَ وَالْمَعْرُوفَ خُلُقَهُ, وَالْحَقَّ شَرِيعَتَهُ, وَالْعَدْلَ سِيرَتَهُ, وَالْهُدَى إِمَامَهُ، و الإسلام ملّته))
أيها الأخوة: نحن في أمس الحاجة إلى أن نفهم من نبينا رحمته نتراحم بها، وأن نفهم من نبينا شجاعته في الملحمة كي نكون أقوياء، كي ندعم الحق، كي يرتفع الحق على أيدينا.
﴿ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾